مصحف الملك فهد



بحث عن:

الأربعاء، 27 فبراير 2013

لمن أشكو همي وحزني ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لمن أشكو همي وحزني ؟

أ. عبدالله بن محمد بادابود


بسم الله الرحمن الرحيم

تٌفاجأ بوفاة حبيب , أو فقد صديق , أو مرض عزيز , أو جحود من تظن أنه صاحب
بل نعم الرفيق .
الحياة الدنيا دار هم و نصب وتعب ، دار ألم وحزن ويختلف الناس في
تقبل ما أصابهم من هم أو حزن أو مرض .
فليس بغريب أن تعيش في كل يوم لحظات من الحزن ولحظات من الضيق والهم .
وبإيماننا بقضاء الله وقدره و يقيننا التام بأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا
يجعلنا من أسعد الناس في هذه الدنيا .
هناك الكثير والعديد من الناس الذين يعانون من أمراض مستعصية أو إعاقات دائمة ، قوم ابتلاهم
الله بالمرض لِيعرف مدى صبرهم ورضاهم لما قسم لهم في هذه الدنيا .
هناك أُناس حرموا نعمة البصر .
هناك أُناس حرموا نعمة السمع أو نعمة المشي .
هناك أُناس حرموا من الذرية ومن نعمة الأبناء الذين هم زينة الحياة .
هناك أُناس فُقراء ومعوزين ، هناك أُناس مدينين ومسجونين .
كلها صور لأناس ابتلاهم الله في هذه الدنيا ، إنهم البؤساء على الأرض .
يا لها من صور محزنة و يا لهم من أناس مساكين يحتاجون لمن ؟ (لمــن يسمـــع شكـــواهــــم..)

لا ضير بأن يبحثون عن العلاج فلكل داء دواء إلا الموت ليس له دواء .
أنت أيها المريض اشك ما أصابك لطبيبك ولا أظن أنه سيقدم لك الكثير .
وأنت يا من مات ولدك استمر في بكائك وسخطك فلن يزيدك إلا هماً وحزناً.
وأنت أيها الفقير استجدي عطف الأغنياء و اطرق أبوابهم وتذلل لهم فلن تزداد إلا ذلاً وهماً وحزناً.
وأنت أيها المصاب وأنت أيها المسكين صح كما تشاء واستجدي عطف من تشاء و اعمل ما تشاء .

أما أنا وهو وهي بل..

(نحـــن المسلمــــون )
سنشكو همنا ونبث حزننا لمن يستحق أن ندع له دون أن يجرحنا ودون أن يطردنا ودون أن يردنا .

...... إنــه..... .

ربــــي وربــــك جـل وعـــلا


ولنقل بقلوب واثقة راضية :
يا ســامعــــاً لكــــل شكــــوى.

هــدى :~
قال تعالى : (إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (يوسف:86).

نور من السنّـة :~

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا" قَالَ: فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: "بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا". صححه الألباني .

وقفة :
قمة جهلنا أننا نعرف عند من تكون الحاجة ونطلبها من غيره.

همسة :
من توكل على الله كفاه .

الخميس، 21 فبراير 2013

لماذا الأربعون النووية

نبدأ بترسيخ المعتقد ، نبدأ بالتخلية قبل التحلية 
لماذا الأربعون النووية ؟
يعتقد البعض فضل لحفظ هذا العدد من الأحاديث 
ولم يرد حديث مقبول في هذا ، ونورد الأحاديث التي يعتقد صحتها البعض للتحذير منها 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيد

ولد آدم محمد بن عبد الله
مما عمت به البلوى اعتقاد أن من حفظ أربعين حديثًا نبويًا 

حصل من الأجر الوفير

نعم حفظ الأحاديث عمومًا من الأعمال الفاضلة

لكن تخصيص هذا العدد وقرنه بفضائل معينة هذا ما

نقدم قرينة على عدم ثبوته




* من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة حتى

يؤديها إليهم كنت له شفيعا أو شهيدًا يوم القيامة

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: ابن السكن - المصدر: التذكار - لصفحة أو الرقم: 6خلاصة حكم المحدث: ليس يروى من وجه ثابت 
 

* من تعلم من أمتي أربعين حديثا يفقه بها

في دينه كان فقيهًا عالمًا

الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن السكن - المصدر: جامع بيان العلم - لصفحة أو الرقم: 1/198خلاصة حكم المحدث: ليس يروى هذا الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت 
 

* من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من أمر دينها

بعثه الله عز وجل يوم القيامة فقيهًا عالمًا

الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: ابن حبان - المصدر: المجروحين - لصفحة أو الرقم: 1/144خلاصة حكم المحدث: [فيه] إسحاق بن نجيح الملطي
دجال من الدجاجلة كان يضع الحديث 
 
* من حمل عن أمتي أربعين حديثاً بعثه الله يوم
القيامة فقيهاً عالماً 
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - لصفحة أو الرقم: 6/114
خلاصة حكم المحدث: غير محفوظ 



* من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بما ينفعها الله
به بعثه يوم القيامة فقيهاً عالماً 
الراوي: أبو هريرة المحدث: 
ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - لصفحة أو الرقم: 8/337خلاصة حكم المحدث: [فيه] أبو البختري كذاب يضع الحديث 
 

* من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة كنت
له شهيدا يوم القيامة 

الراوي: عبد الله بن عباس المحدث:

ابن عدي - المصدر:
الكامل في الضعفاء - لصفحة أو الرقم: 3/436
خلاصة حكم المحدث: [فيه] خالد بن يزيد العمري عامة أحاديثه مناكير [وفيه] إسحاق بن نجيح أشر منه 

 

*من تعلم على أمتي أربعين حديثا ينفعها الله بها

في دينه كان فقيها عالما

الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - لصفحة أو الرقم: 3/477خلاصة حكم المحدث: موضوع 
 

* من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة

كنت له شفيعا يوم القيامة

الراوي: - المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - لصفحة أو الرقم: 1/537خلاصة حكم المحدث: موضوع 
 

* من حفظ على أمتي أربعين حديثا ينفعهم الله عز وجل

بها ، قيل له : ادخل من أي أبواب الجنة شئت

الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: أبو نعيم - المصدر: حلية الأولياء - لصفحة أو الرقم: 4/210خلاصة حكم المحدث: غريب من حديث أبي بكر عن عاصم 
 

* سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حد العلم إذا حفظه الرجل كان فقيها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله فقيها ، وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا

الراوي: أبو الدرداء المحدث: البيهقي - المصدر: شعب الإيمان - لصفحة أو الرقم: 2/742خلاصة حكم المحدث: متنه مشهور وليس له إسناده صحيح 
 

* من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة حتى

يؤديها إليهم كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: ابن عبدالبر - المصدر:
التذكار - لصفحة أو الرقم: 6
خلاصة حكم المحدث: غير محفوظ


وهذا قليل من كثير




قد يستهين البعض بالأربعين النووية
اعتمادًا على ضعف الأحاديث الواردة في 


فضل حفظ أربعين حديثًا
فقد كان مقصد الإمام النووي رحمه الله 

جمع أحاديث تكون أصولا و قواعد في ديننا ، لذا اعتنى

العلماء بشرحها لاشتمالها لعدة مهمات و تنبيهات، فمن

حازها بفهم فقد حاز خيرًا كثيرًا

و الله نسأل أن يجعلنا ممن قال فيهم حبيبنا صلى الله 
عليه و سلم : " نضر الله امرأ سمع منا حديثًا فحفظه

حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من 

هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه"

الراوي: زيد بن ثابت المحدث: ابن العربي - المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم: 5/327
خلاصة حكم المحدث: صحيح 


*و في رواية :" نضر الله امرأ سمع منا حديثا فأداه 

كما سمعه "
الراوي: ثابت المحدث: السخاوي - المصدر: فتح 
المغيث - الصفحة أو الرقم: 2/244 
خلاصة حكم المحدث: ثابت 




فليصحح معتقده كل من أراد

دراسة وحفظ الأربعين النووية 

ملتقى قطرات العلم 
ونستأنس بهذه الفتوى 
السؤال
هل حديث " أن من حفظ 40 حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فسيضمن دخول الجنة أو يُبعث مع العلماء " صحيح ؟

الجواب
الحمد لله1. هذا الحديث ضعيف ، وهو على كثرة طرقه لا تصلح لأن تقوِّي بعضها بعضاً ، وله روايات كثيرة وبألفاظ مختلفة ، ومنها " .. بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء " ، وفي رواية " بعثه الله عالماً فقيهاً " ، وفي رواية " وكنت له يوم القيامة شافعاً وشهيداً " ، وغيرها .
أ. قال الحافظ ابن حجر :
[ رواه ] الحسن بن سفيان في " مسنده " وفي " أربعينه " من حديث ابن عباس ، وروي من رواية ثلاثة عشر من الصحابة ، أخرجها ابن الجوزي في " العلل المتناهية " وبيَّن ضعفها كلَّها وأفرد ابن المنذر الكلام عليه في جزء مفرد ، وقد لخَّصت القول فيه في " المجلس السادس عشر " من الإملاء ، ثم جمعتُ طرقه في جزء ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة .
" التلخيص الحبير " ( 3 / 93 ، 94 ) .
ب. وقال ابن الملقِّن :
حديث " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً كُتب فقيهاً " : يُروى من نحو عشرين طريقاً وكلها ضعيفة ، قال الدارقطني : كل طرقه ضعاف لا يثبت منها شيء ، وقال البيهقي : أسانيده ضعيفة.
" خلاصة البدر المنير " ( 2 / 145 ) .
وقال البيهقي :
هذا متن مشهور فيما بين الناس وليس له إسناد صحيح .
" شعب الإيمان " ( 2 / 270 ) .
وقال النووي :
واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه .
" مقدمة الأربعين النووية " .
2. ومما ينبغي أن يقال هنا أنه قد جاء في السنة ما يبيِّن فضل من سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وبلَّغه ، ولو كان حديثاً واحداً .
عن زيد بن ثابت قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " نضَّر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره فرُبَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه ، ورب حامل فقهٍ ليس بفقيهٍ ".
رواه الترمذي ( 2656 ) وحسَّنه ، وأبو داود ( 3660 ) ، وابن ماجه ( 230 ) .
قال المباركفوري :
والمعنى : خصه الله بالبهجة والسرور لما رزق بعلمه ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدنيا ونعمه في الاخرة حتى يرى عليه رونق الرخاء والنعمة ثم قيل إنه إخبار يعني جعله ذا نضرة وقيل دعاء له بالنضرة وهي البهجة والبهاء في الوجه من أثر النعمة .
" تحفة الأحوذي " ( 7 / 347 ، 348 ) .
والله أعلم .


الإسلام سؤال وجواب

الأربعاء، 20 فبراير 2013

موقفان عظيمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
موقفان عظيمان 
موقفانِ عظيمان يقفهُما العبد بين يدي ربِّه؛ أحدهما في هذه الحياة الدُّنيا، والآخر يوم يلقى الله ـ جلَّ وعلا ـ يوم القيامة، ويترتَّبُ على صلاحِ الموقف الأوَّل فلاحُ العبد وسعادتُه في الموقف الثَّاني، ويترتَّب على فسادِ حال العبدِ في الموقف الأوَّل ضياعُ أمره وخسرانُه في الموقف الثَّاني.الموقف الأوَّل: هو هذه الصَّلاة الَّتي كتبها اللهُ ـ جلَّ وعلا ـ على عباده وافترضَها عليهم خمسَ مرَّاتٍ في اليوم واللَّيلة؛ فمَن حافظَ على هذه الصَّلاة، واهتمَّ لها، واعتَنى بها، وأدَّاها في أوقاتِها، وحافظَ على شُروطِها وأركانِها وواجباتِها هانَ عليه الموقفُ يوم القيامة، وأفلحَ وأنجحَ، وأمَّا إذا استهانَ بهذا الموقف؛ فلم يُعْنَ بهذه الصَّلاة، ولم يهتمَّ لها، ولم يواظب عليها، ولم يحافظ على أركانها وشروطها وواجباتها عَسُرَ عليه موقف يوم القيامة.


روى التِّرمذي والنَّسائي وغيرهما عن حُرَيث بن قَبيصَة رحمه الله قال: أتيتُ المدينة فسألت اللهَ ـ جلَّ وعلا ـ أن يرزقني جليسًا صالحًا، فجلستُ إلى أبي هريرة رضي الله عنه، وقلتُ له: يا أبا هريرة! إنِّي سألتُ الله أن يرزقني جليسًا صالحًا؛ فعلِّمني حديثًا سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلَّ الله أن ينفعني به! فقال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ؛ فَإِنْ صَلحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ»(1) وهو حديث صحيح.
فتأمَّلوا ـ رعاكم اللهُ ـ ترتُّبَ صلاح الموقف الثَّاني على صلاح الموقف الأوَّل، والخسران في الموقف الثَّاني على الخُسران في الموقِف الأوَّل.
نعم؛ إنَّ مَن ضيَّع هذه الصَّلاة، واستَهان بها وفرَّط في أدائها، والمحافظةِ عليها حكَم على نفسه ـ شاء أم أبى ـ بالخسران المُبين في الموقف الثَّاني يوم يلقى اللهَ ـ جلَّ وعلا ـ، وفي ذلك الموقف يندَمُ ولا ينفعهُ النَّدم.
روى الإمام أحمد في «مسنده» عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ»(2).
مَن ضيَّع الصَّلاةَ حكَم على نفسه ـ شاء أم أبى ـ أن يحشر يومَ القيامة جنبًا إلى جنب مع صناديد الكفر وأعمدةِ الباطل؛ لـمَّا رضي لنفسه في هذه الحياة أن يشغَلَه عن صلاته لهوٌ وباطلٌ، وزيفٌ وضلالٌ، وفِسقٌ ومُجونٌ، وتتبُّعٌ لأئمَّة الرَّذيلة، ودعاة الفساد كان حشره يوم القيامة مع شاكلته: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [الصافات : 22] ، فكلٌّ يوم القيامة يُحشر مع شاكلته في هذه الحياة؛ فإنْ كان من أهل الصَّلاة والمحافظين عليها في بيوت الله شَرُفَ يوم القيامة بأن يُحشر مع المصلِّين، بأن يُحشر مع المطيعين، بأن يُحشر مع النَّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين وحسُن أولئك رفيقًا، ومن أبى على نفسه ذلك بأن ألهاه عن صلاته فِسقٌ وضلالٌ، ولهوٌ وباطلٌ؛ فإنَّه يحشر يوم القيامة مع شاكلته، قال ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى» قالوا: يا رسولَ الله! ومن يأبَى؟ قال: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»(3).
ثمَّ تفكَّر ـ رعاك الله ـ في موقف يوم القيامة، تفكَّر في ذلك الموقف فإنَّك واقفُه ـ إي والله ـ ؛ موقفٌ عصيبٌ ، موقفٌ مَهِيلٌ، موقفٌ أتدري ما مقداره؟ إنَّ مقداره خمسون ألفَ سنةٍ، يقف النَّاس يومًا واحدًا مقداره خمسون ألفَ سنةٍ، ماذا يقارن ذلك اليوم بأيَّامك في هذه الحياة؟! لنفرض أنَّك عشتَ ستِّين سنةً، أو سبعين سنةً، أو ثمانين سنةً، أو أقلَّ من ذلك أو أكثر؛ ماذا تُقارِن تلك السَّنواتِ أو السُّنيَّات بذلك الموقف العَصيب؟ ماذا تقارن تلك السُّنيَّات بيومٍ مقداره خمسون ألفَ سنةٍ؟!
ثمَّ لو كان عمرك على سبيل المثال: ستِّين سنةً؛ فقد أمضيتَ ثلثها في النَّوم؛ لأنَّك تنام في اليوم واللَّيلة تقريبًا ثمانيَ ساعاتٍ، والنَّائمُ مرفوعٌ عنه القَلم؛ فمَن عاش ستِّين سنةً فقد نام في حياته عشرين سنةً، ومنها خمسَ عشرة سنةً تقريبًا في أوَّل الحياة العبدُ فيها ليس مكلَّفًا؛ فماذا بقي لك في هذه الحياة من سُنيَّاتٍ؟!
فاتَّقِ اللهَ ـ رعاك الله ـ في هذه الصَّلاة، وحافظ على هذا الموقف بين يدي الله ـ جلَّ وعلاـ ، عظِّم ـ رعاك الله ـ هذه الصَّلاة يعظُم أمرُك عند الله، وتعلو مكانتُك عنده ، وإيَّاك وإضاعتَها؛ فإنَّ إضاعتها الخسرانُ المبين.
وقد ثبت في «المستدرك»(4) للحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَوْمُ القِيَامَةِ عَلَى المُؤْمِنِينَ كَقَدْرِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ»، وفي تحديد ذلك بما بين الصَّلاتين تنبيهٌ لمكانة الصَّلاة وأثرها في تحقُّق ذلك.
ألا فلنتَّق اللهَ في صلاتِنا، ولنتَّق اللهَ في هذه الفريضة العظيمة الَّتي كثر استهانة النَّاس بها واستخفافهم بأمرها، وتهاونهم في شأنها، وإضاعتهم لها ولشروطها وأركانها وواجباتها في حالٍ أَسِيفَةٍ، وأمورٍ مؤلمةٍ، وواقعٍ أليمٍ.
وضياعُ الصَّلاة حِرمانٌ من كلِّ خيرٍ في الدُّنيا والآخرة وخُسرانٌ مبين، فإيَّاك أن تأبى لنفسكَ إلَّا أن تعيش الهوانَ، وتنالَ الذُّلَّ والخسران؛ فإنَّ مَن ضيَّع الصَّلاة حكمَ على نفسه بذلك، ورضي لنفسِه حياةَ الهوان.
نعم؛ أيُّ خيرٍ يُرتجى، وأيُّ فضيلةٍ تُؤمَل إذا ضُيِّعت هذه الصَّلاة الَّتي هي صلةٌ بين العبد وبينَ الله؟!.
قال أحدهم ـ لائمًا ومعاتبًا أحد الخطباء ـ: إنَّك منذ سنواتٍ عديدةٍ تخطُب فينا؛ فماذا قدَّمت؟ فقال له: وأنتم طِوال هذه المدَّة تستمعون؛ فماذا فعلتُم؟
إذا سمع المسلم الموعظةَ، أو سمع الخطبةَ فليُودِعها في قلبه، وليتوجَّه إلى ربِّه ـ جلَّ شأنُه ـ ومولاه أن يوفِّقه للعَمل، وأن يسدِّده، وأن لا يكِلَه إلى نفسه طَرفةَ عينٍ، وإلَّا فكم سمع النَّاس من المواعظ والزَّواجر، ومنهم من لا يزال مع ذلك غافلًا! وعند الله ـ جلَّ وعلا ـ ملتقى الخلائق والعباد، وهناك المجازاةُ والمحاسبة، فليغتَنم العبد وجودَه في هذه الحياة لإصلاح نفسه، وتزكيةِ حاله، وإطابة عمله، والتَّوفيق بيد الله وحده لا شريك له.
اللَّهم إنَّا نسألك بأنَّك أنت الله لا إله إلَّا أنت بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا منًّا منك وتكرُّمًا أن تجعلنا أجمعين من المقيمين الصَّلاة، ومن ذرِّيَّاتِنا يا ربَّ العالمين.
***
_______
(1) أخرجه الترمذي (413)، والنَّسائي (465)، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (2020).
(2) تقدَّم تخريجه (ص18).
وصححه أحمد شاكر - المصدر:مسند أحمد- الصفحة أو الرقم:10/83
خلاصة حكم المحدث:إسناده صحيح
(3) رواه البخاري (7280) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) (1/158)، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (8193).
الكلمة الشهرية للشيخ عبد الرزاق البدر

العافية



العــــافية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،


وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:


فإن من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإيمان والإسلام، نعمة العافية، قال تعالى عن نبي الله هود - عليه السلام -
وهو يخاطب قومه: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ
﴾ [هود: 52].



روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ". (1)

والغبن أن يشتري الإنسان السلعة بأكثر من ثمنها، فمن صح بدنه وتفرغ من الأشغال العالقة به،
ولم يسع لإصلاح آخرته يقال عنه: رجل مغبون.

روى الترمذي في سننه من حديث عبيد الله بن محصن الخطمي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا" (2)



قوله: "آمنًا في سربه"، أي: آمنًا على نفسه وأهله وعياله وماله.


قوله: "معافى في جسده"، أي: من الأمراض، أي: صحيحًا سالمًا من العلل والأسقام.


قوله: "عنده قوت يومه"، أي: كفاية قوته وحاجته من وجه حلال.


قوله: " فكأنما حيزت له الدنيا"، أي: ضمت وجمعت، فمن جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه،
وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل
على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصيته.



وإن من أعظم المطالب، وأرفع المراتب التي ينبغي للمؤمن أن يحرص عليها سؤال الله العافية،
روى الترمذي في سننه من حديث رفاعة بن رافع قال: قام أبوبكر الصديق على المنبر، ثم بكى
فقال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الأول على المنبر ثم بكى، فقال: "سلوا الله العفو ولا عافية،
فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية".



قال ابن القيم - رحمه الله -: تعليقًا على الحديث المذكور: "فجمع بين عافيتي الدين والدنيا، ولا يتم صلاح
العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة، والعافية تدفع عنه
أمراض الدنيا في قلبه وبدنه، فجمع أمر الآخرة في كلمة، وأمر الدنيا كله في كلمة"(3)



وروى ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"ما من دعوة يدعو بها العبد أفضل من: اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة"(4)



فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن أفضل ما سأله العباد أن يعافيهم الله،
لأن العمدة الكبرى والمنحة العظمى في نيل السعادة الدنيوية والأخروية هي العافية.



وروى البزار في كشف الأستار من حديث أنس بن مالك: أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بقوم مبتلين،
فقال: "أما كان هؤلاء يسألون الله العافية؟!" (5) ، وفي الحديث دليل على أن سؤال الله العافية يدفع كل بلية،
ويرفع كل محنة، ولهذا جاء صلى الله عليه وسلم بهذا الاستفهام بمعنى الاستنكار، فكأنه قال لهم: كيف تتركون
أنفسكم في هذه المحنة والابتلاء؟ وأنتم تجدون الدواء الحاسم لها، والمرهم الشافي لما أصابكم منها، وهو الدعاء بالعافية،
واستدفاع هذه المحنة النازلة بكم، بهذه الدعوة الكافية، وفي هذا ما يزيد النفوس نشاطًا والقلوب بصيرة،
باستعمال هذا الدواء عند عروض كل داء، ومساس كل محنة، ونزول كل بلية، قال أحد الصالحين:
"أكثروا من سؤال العافية، فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه لا يأمن ما هو أشد منه،
وإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه ليس بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء،
وما المبتلون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس، وما المبتلون بعد اليوم إلا من أهل العافية اليوم".



والذي يزور مستشفيات المسلمين ويرى ما ابتلي به إخوانه من الأمراض
الخطيرة التي عجز الطب الحديث عن علاج بعضها، ليحمد الله - عز وجل - صباحًا ومساءً على نعمة العافية.


قال الشاعر:
إني وإن كان جمع المال يعجبني
ما يعدم المال عندي صحة الجسد
المال زين وفي الأولاد مكرمة
والسقم ينسيك ذكر المال والولد





وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه العافية صباحًا ومساءً، وحتى عند نومه، فروى أبو داود
في سننه من حديث ابن عمر قال: "لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي
وحين يصبح: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي
وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي
ومن فوقي، وأعوذ بك أن أغتال من تحتي". (6) قال أبو داود: قال وكيع: يعني الخسف، وروى مسلم في
صحيحه من حديث عبد الله بن الحارث، يحدث عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، أنه أمر رجلًا
إذا أخذ مضجعه أن يقول: "اللهم خلقت نفسي... الحديث، وقال في آخره: اللهمَّ إِنِّي أسألك العافية"،
فقال له رجل: أسمعت هذا من عمر. فقال: من خير من عمر، من رسول الله - صلى الله عليه وسلم.



والعافية في الدنيا هي دفع الله عن العبد جميع الأسقام والبلايا وجميع ما يكرهه ويشينه،
والعافية في الآخرة هي دفع الله عنه جميع أهوال الآخرة وأفزاعها، ولا يخرج مطلوب العبد من هذين القسمين.



وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله من سيئ الأسقام، فروى الإمام أحمد في مسنده
من حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول:
"اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، ومن سيء الأسقام". (7)



وأرشد عليه الصلاة والسلام أمته إلى اغتنام الصحة قبل المرض،
فروى الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اغتنم خمسًا قبل خمس.. ذكر منها: صحتك قبل سقمك"
، وكان ابن عمر كما في صحيح البخاري يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح،
وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"(8)



والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


منقـــول
كتبه : الدكتور / أمين بن محمد الشقاوي


(1) صحيح البخاري» كِتَاب الرِّقَاقِ» بَاب لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ »رقم الحديث: 5962
(2) حققه الألباني - صحيح ابن ماجه- برقم - 3357خلاصة حكم المحدث:حسن
(3 ) تحفة الذاكرين (ص ٣٠٥).
( 4) حققه الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5703 خلاصة حكم المحدث: صحيح
(5) المحدث:الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 2197خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
(6) المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 5074--خلاصة حكم المحدث: صحيح
(7) المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1285خلاصة حكم المحدث: صحيح
(8) رواه البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6416 - خلاصة حكم المحدث:صحيح

وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ


عن تفسير قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [الجن:8] وهل الجن لمسوا السماء حقاً أم لا؟القرآن أصدق الكلام وهو كلام الله - عز وجل - والأصل في الكلام الحقيقة وهذا هو الأصل والله أخبر أنه قال: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. ولم يرد عليهم ولم يقل كذبوا فدل ذلك على أنهم لمسوها صعدوا وارتفعوا حتى لمسوا السماء فإنهم يسترقون السمع، ويركب بعضهم فوق بعض بإذن الله الذي قواهم على هذا - سبحانه وتعالى - فلهذا أخبر عنهم بما أخبر حيث أخبر عنهم بأنهم قالوا:وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. فالأمر حقيقة وهذا يدل على إمكان ذلك وأنه يمكن لمس السماء لكن لا يمكن دخولها إلا بإذن من الله - عز وجل - ولهذا لما عرج بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء لم يدخلها إلا بإذنه ومعه جبرائيل -عليه الصلاة والسلام- فاستأذن جبرائيل فأذن له الحرس فدخل جبرائيل ودخل النبي -عليه الصلاة والسلام- في كل سماء بإذنه.المصدر

الاثنين، 18 فبراير 2013

الصفحة الرئيسية


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
قوله تعالى: { بسم الله الرحمن الرحيم }: الجار والمجرور متعلق بمحذوف؛ وهذا المحذوف يقَدَّر فعلاً متأخراً مناسباً؛ فإذا قلت: "باسم الله" وأنت تريد أن تأكل؛ تقدر الفعل: "باسم الله آكل"..
قلنا: إنه يجب أن يكون متعلقاً بمحذوف؛ لأن الجار والمجرور معمولان؛ ولا بد لكل معمول من عامل..
وقدرناه متأخراً لفائدتين:
الفائدة الأولى: التبرك بتقديم اسم الله عزّ وجل.
والفائدة الثانية: الحصر؛ لأن تأخير العامل يفيد الحصر، كأنك تقول: لا آكل باسم أحد متبركاً به، ومستعيناً به، إلا باسم الله عزّ وجلّ.
وقدرناه فعلاً؛ لأن الأصل في العمل الأفعال . وهذه يعرفها أهل النحو؛ ولهذا لا تعمل الأسماء إلا بشروط
وقدرناه مناسباً؛ لأنه أدلّ على المقصود؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "من لم يذبح فليذبح باسم الله"أخرجه البخاري في صحيحه ص77، كتاب العيدين، باب 23: كلام الإمام والناس في خطبة العيد، حديث رقم 985؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص1027، كتاب الأضاحي، باب 1: وقتها، حديث رقم 5064 [1] 1960.
  . أو قال صلى الله عليه وسلم "على اسم الله"أخرجه البخاري في صحيحه ص474، كتاب الذبائح والصيد، باب 17: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فليذبح على اسم الله"، حديث رقم 5500؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص1027، كتاب الأضاحي، باب 1: وقتها، حديث رقم 5064 [2] 1960. : فخص الفعل..
و{ الله }: اسم الله رب العالمين لا يسمى به غيره؛ وهو أصل الأسماء؛ ولهذا تأتي الأسماء تابعة له..
و{ الرحمن } أي ذو الرحمة الواسعة؛ ولهذا جاء على وزن "فَعْلان" الذي يدل على السعة..
و{ الرحيم } أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده؛ ولهذا جاءت على وزن "فعيل" الدال على وقوع الفعل.
فهنا رحمة هي صفته . هذه دل عليها { الرحمن }؛ ورحمة هي فعله . أي إيصال الرحمة إلى المرحوم . دلّ عليها { الرحيم }..
و{ الرحمن الرحيم }: اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، وعلى الأثر: أي الحكم الذي تقتضيه هذه الصفة..
والرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقية دلّ عليها السمع، والعقل؛ أما السمع فهو ما جاء في الكتاب، والسنّة من إثبات الرحمة لله . وهو كثير جداً؛ وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمة الله..
هذا وقد أنكر قوم وصف الله تعالى بالرحمة الحقيقية، وحرّفوها إلى الإنعام، أو إرادة الإنعام، زعماً منهم أن العقل يحيل وصف الله بذلك؛ قالوا: "لأن الرحمة انعطاف، ولين، وخضوع، ورقة؛ وهذا لا يليق بالله عزّ وجلّ"؛ والرد عليهم من وجهين:.
الوجه الأول: منع أن يكون في الرحمة خضوع، وانكسار، ورقة؛ لأننا نجد من الملوك الأقوياء رحمة دون أن يكون منهم خضوع، ورقة، وانكسار..
الوجه الثاني: أنه لو كان هذا من لوازم الرحمة، ومقتضياتها فإنما هي رحمة المخلوق؛ أما رحمة الخالق سبحانه وتعالى فهي تليق بعظمته، وجلاله، وسلطانه؛ ولا تقتضي نقصاً بوجه من الوجوه..
ثم نقول: إن العقل يدل على ثبوت الرحمة الحقيقية لله عزّ وجلّ، فإن ما نشاهده في المخلوقات من الرحمة بَيْنها يدل على رحمة الله عزّ وجلّ؛ ولأن الرحمة كمال؛ والله أحق بالكمال؛ ثم إن ما نشاهده من الرحمة التي يختص الله بها . كإنزال المطر، وإزالة الجدب، وما أشبه ذلك . يدل على رحمة الله..
والعجب أن منكري وصف الله بالرحمة الحقيقية بحجة أن العقل لا يدل عليها، أو أنه يحيلها، قد أثبتوا لله إرادة حقيقية بحجة عقلية أخفى من الحجة العقلية على رحمة الله، حيث قالوا: إن تخصيص بعض المخلوقات بما تتميز به يدل عقلاً على الإرادة؛ ولا شك أن هذا صحيح؛ ولكنه بالنسبة لدلالة آثار الرحمة عليها أخفى بكثير؛ لأنه لا يتفطن له إلا أهل النباهة؛ وأما آثار الرحمة فيعرفه حتى العوام، فإنك لو سألت عامياً صباح ليلة المطر: "بِمَ مطرنا؟"، لقال: "بفضل الله، ورحمته"..